لا يعيش المرء بمفرده فى الدنيا ، ولا يصح أن يعيش بمفرده ، ولا يستطيع ذلك ولا يقدر عليه ، فلابد للإنسان من الناس ، ولابد للناس منه .

ورغم ذلك ، فإنك تجلس مع أحدهم ، فلا يزال يشكو من الناس ، وينتقدهم ويُعدّد عيوبهم ومساوئهم ، ويتحسّر على أيام مضت كان الناس فيها أفضل من اليوم ، ثم هو بعد ذلك لا يستطيع أن يستغنى عمن انتقدهم قبل قليل .

وحاجة الناس بعضهم لبعض اليوم أشدّ من أى وقت مضى ؛ فقديماً ، كان الإنسان باستطاعته أن يدبر أمور معاشه بغير معونة من أحد إن أراد هو ذلك ، فبإمكانه أن يزرع ويأكل من عمل يده ، وبإمكانه أن يبنى لنفسه بيتاً من الطين يسكن فيه ، وهكذا فى بقية أموره .. لا يرى أحداً ولا يراه أحد ولا يختلط بالناس إلا قليلاً  .. أما اليوم ، فقد تعددت حاجات الإنسان ، وازدادت طموحاته ، وكثرت مطالبه ما أصبح من المستحيل أن لا يحتاج إلى أحد من الناس .

ولا شك أنه ما من أحد إلا ويعرف هذا الكلام جيداً ، ولكنه لا يقدر أن يكتم انتقاده لعيوب الناس التى صارت مرئية مشاهدة فى كل مكان ، أينما ذهبت وحيثما توجهت .

صار الواحد – هذه الأيام – يشعر بمرارة تجاه تصرفات وسلوكيات الناس ، ويتساءل بينه وبين نفسه .. ما الذى حدث ؟ ما الذى تغير ؟ العيب منى أم منهم ؟ أين الاحترام المتبادل ؟ لماذا كل هذا الجفاء ؟ ما هذه البذاءة التى انتشرت ؟ أهؤلاء بشر أم شياطين ؟

ولا شك – أيضاً – أنى أوافقك فيما تقول رغم ما بينته من قبل من حاجة الناس بعضهم لبعض .. والدليل على أنى أتفهم كلامك ، وأوافقك فى الكثير منه .. أنى أطرح بين يديك الآن كيفية الخروج من هذا المأزق ، وأدلك كيف تتعامل مع الناس ؟

  1. كن على علم بهذه الحقيقة الكبيرة : لا غنى لك عن الناس .

  2. المبدأ العام الذى تتمسك به فى التعامل مع الناس جميعاً هو أداء ما عليك من واجبات ، والحصول على ما لك من حقوق .

  3. أدّ ما عليك من واجبات أولاً ، وأظهر للطرف الآخر ذلك .. حتى يكون من اليسير أن تحصل على حقوقك منه .

  4. تعامل بالرفق مع الناس المتضمن لإظهار الاحترام لهم دون المبالغة الشديدة فى التودّد لهم ، ومحاولة كسب رضاهم عنك ، فهذه غاية أنت لا تعمل لها من البداية .

  5. لا تسارع بالثقة فى الناس ، بل لا تمنح ثقتك إلا لمن ظهر لك طيب معدنه ، وصفاء جوهره من خلال المواقف الكثيرة ، والمناسبات العديدة .

  6. اشحن نفسك برصيد كبير من التحمل الذى تدّخره للصبر على أذاهم ، واحتمال ضررهم ، فالأذى من الناس وارد والضرر منهم قريب .

  7. خلال تعاملك مع الأعداد الغفيرة من الناس فى المدرسة والجامعة والعمل والشارع والنادى والمقهى والمصالح المختلفة والمؤسسات المتنوعة ، ستجد قليلين فقط منْ يمكن لك أن تمنحهم ثقتك وتقديرك .. هؤلاء هم بعد الله سندك ، لا تفرط فيهم أبداً .

  8. بعد اقتناعك بضرورة أداء ما عليك من واجبات وأخذ ما لك من حقوق ، حاول أن تجعل لك نصيباً من الخير تسديه للناس .. فقط ، حاول ألا تنتظر مقابلاً له ، حتى ولو كان هذا المقابل أن تنال التقدير على ما قدمت .

  9. إذا وجدت نفسك تتعامل مع من يريد استغلالك ، ويحاول أن يخدعك ، ويأخذ منك ما ليس له ، فحاول أولاً أن تتأكد أن ما يدفعه فى هذا ليس جهله ، وإنما قلة مروءته وخبث طباعه ، وهنا ، كن كالأسد الهصور فى الدفاع عن حقك وعدم السماح له بما يريد ، ولكن لا يهمك إلا تحصيل حقك ، ودعك من الحكم على شخصيته ، والاستغراب مما فعل ، والتفكير فى الانتقام منه ، ففى الدنيا ما هو أعظم وأخبث مما فعله معك !!

نصائح عابرة :

  • هناك فرق بين عمل الخير الذى ترجو به وجه الله ، والتعاملات اليومية مع الناس التى لابد أن تحصل فيها على حقوقك التى لا غنى لك عنها .

  • أخبرتك قبل قليل أن اجعل لك نصيباً من الخير تسديه للناس .. دعنى أوضح لك الأمر ، هذا البذل العام لعامة الناس يأتى بعد أداء حقوق نفسك وأهلك ، ومعنى أن يكون لعامة الناس كأن يكون صدقة تتبرع بها فى مستشفى أو ملجأ ولا تعرف لمن سوف تذهب ، لأنك إن جعلت هذا الخير لأناس بأعيانهم فلا تدرى الحدود التى يتوقف عندها طمعهم فيك !!

  • من باب الاحتياط وتوقع أسوأ الاحتمالات .. توقع من الناس الشر قبل الخير ، والغدر قبل الوفاء ، والخيانة قبل الأمانة ، والقبح قبل الجمال ، والبخل قبل الكرم ، والخطأ قبل الصواب .

  • هل تستثقل العزلة ؟ صدقنى ، فيها الكثير من الفوائد ، وأجملها : راحة البال .

  • إذا فعلت خيراً ، وكنت تتوقع الشكر عليه ، ولم تجد إلا الجحود والنكران ، فأنت المخطىء ؛ لأنك انتظرت الشكر من الناس على شىء المفترض أنك لم تفعله إلا ابتغاء وجه الله .

  • عندما يسىء إليك أحدهم فقد تجد نفسك قد شُحنت بطاقة انتقامية هائلة توشك أن تدمر وتحرق ، وقد ترد إساءته بإساءة أكبر وأشد ، وينصحك الكثيرون ممن حولك بأن الانتقام يعكر مزاجك ويسمم روحك ويرهق بدنك ، فالأفضل أن تنسى وتتسامح وهذا صحيح وتعرف أنت أنه صحيح ، ولكنك تجد نفسك لا تقدر عليه .. أرشدك إلى ما يُسهل عليك التسامح ؟! احتفظ بهذه الطاقة متأججة متوقدة ووظفها فى نوع معين من الانتقام ؛ وهو أن تسمو بنفسك وتزيد من إنتاجك النافع وأنشطتك المفيدة وإنجازاتك الكثيرة وأعمالك الخيرة فتثبت لنفسك أنك لا يمكن أن تنزل للدرك الذى نزل إليه من أساء إليك .. هنا يكون التسامح سهلاً ونسيان الإساءة سريعاً .

إن هذا ما نستفيده من قول الله تعالى ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) فنحن نقول سلاماً ولكنهم جاهلون ، فالتسامح لا يعنى أن من أخطأ فى حقى له حق فى ذلك ، بل لابد من تقرير خطأه ، ولكن أنا من صبرت وعفوت .. إن هذا التنفيس عن النفس يساعدها على التسامح ، وترغيبها فى أن تكون الأفضل يدفع صاحبها نحو السمو والارتقاء .

  • رغم كل الأضرار التى تلاقيها فى معاملة الناس .. فتذكر حديث النبى صلى الله عليه وسلم :

المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ .

ولكن اجعل الصبر يقف عند الحد الذى يقوى صلابة نفسك فى الدنيا ويبلغك الدرجات العلى فى الجنة ، ولا تصل إلى مرحلة الانهيار ، فنفسك أولى باهتمامك ورعايتك قبل أى أحد .

لا أدرى فى نهاية كلامى إن كنت قد هونت عليك ما تلاقيه من الناس ، وإن كان من كلمة أخيرة أوجهها لك فهى : ازهد فيما عند الناس ، واقطع حبل أملك فيهم ، واعتصم دائما بحبل الله الذى لا ينقطع واجعل اعتمادك كله عليه ، وردد دائماً :

 

ولو كنت من هواة الاستماع والمشاهدة يمكنك الاستماع لهذا الفيديو الآن :

 

Load More Related Articles
Load More By محمد عطيتو
Load More In سلسلة كيف .. ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إقرأ أيضا

النقود والبنوك

  كيف نشأت النقود الورقية تاريخياً ؟ ورقة نقدية بمليون جنيه .. هل رأيتها من قبل ؟! أك…