نحن فى عصارات الكتب نحاول أن نلخص الكتاب .. نعتصره .. نستخرج أهم ما فيه .. نناقش الكاتب .. نحاوره .. نتفق معه .. ونعترض عليه .. لكن فى الفيتامين نحاول أن نستخرج الجوهرة المكنونة الموجودة فى الكتاب ؛ إذ لكل كتاب جوهرته ، قد ننسى ما قرأناه فى الكتاب لكن أبداً لا ننسى تلك الجوهرة ، والجوهرة إما فكرة جديدة نلتقطها لتحتل مكانها فى عقلنا وضميرنا ، وننطلق فى حياتنا بها أو رؤية تطبيقية لما استفدناه تنقله من عالم الفكر إلى عالم الواقع .. إنه الفيتامين ..
وعى يُشكّل وعلم يُفعّل
الكتاب : لماذا من حولك أغبياء للدكتور / شريف عرفة – الدار المصرية اللبنانية
الشدة والعناء فى قراءة كتاب : لماذا من حولك أغبياء ؟!!
والحقيقة أن الكتاب الذى بين أيدينا لم أقدم له تلخيصاً فى عصارات الكتب ، لأنى لا أرى أن به أفكاراً جديدة يمكن أن نستفيد منها .. وها أنذا أذكر بعض ما أخذته من انطباعات على هذا الكتاب ، وأكثرها مآخذ مما أثار حنقى وغضبى :
أولاً : عنوان الكتاب هو ( لماذا من حولك أغبياء ؟ ) ، والسؤال الذى سوف يطرحه قارىء عنوان الكتاب على نفسه بمجرد قراءة العنوان : ترى ما هو موضوع الكتاب ؟ فإذا لم تلمح عينيه تلك العبارة المدونة على غلاف الكتاب ( دليلك الشخصى لخلق تواصل فعال مع من لا يفهمونك ) ، فإنه فى الغالب سيصبح من العسير عليه أن يتوصل إلى الموضوع الذى يناقشه الكاتب فى كتابه من خلال قراءة العنوان .. أما موضوع الكتاب فإنه يتحدث عن مهارات التواصل بين الناس ، وكأن لسان حالك فى تعاملك مع الناس : لماذا هم أغبياء ؟ لماذا لا يفهموننى ؟ وكأن الكتاب سيجعلك تتقن مهارات التواصل لكى تتعامل بفعالية مع الناس ، وعندها فلن تسأل هذا السؤال على نفسك !! وأنا أرى أن مؤلف الكتاب يناقش موضوعاً طرقه الكثيرون غيره ، ولكنه يريد أن يضع عنواناً جذاباً ليقبل الناس على قراءة كتابه .. وفى الحقيقة فإنى أبغض هذه الطريقة فى لفت انتباه القارىء ومحاولة إغرائه ودفعه لقراءة الكتاب ، وتُحدث عندى ردة فعل عكسية إذ بمجرد أن أشرع فى قراءة الكتاب ، وأعرف أن الانطباع الذى كونته عن الكتاب ليس صحيحاً ، فإن حنقى على الكاتب يكون شديداً ، وأعتبر ذلك خداعاً لى لا أقبله ، وأحكم من خلاله على أن الكاتب قليل البضاعة وليس فيما يطرحه جديداً ، اللهم إلا الإغراب فى صياغة عناوين لا تدل على مضامينها .
ثانياً : هناك بعض الموضوعات المهمة التى لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتها ومدى احتياجنا الكبير إليها ، ولكن هذا لا يبرر أن نجعل هذه الموضوعات هى ما يشغلنا آناء الليل وأطراف النهار ، لأسباب عديدة منها – وهذا ما يتعلق بموضوع كتابنا الذى بين أيدينا – أن هذه الموضوعات المهمة قد تم التنبيه عليها كثيراً ، وأصبحت من الأمور المعروفة التى قل أن يوجد من يجهلها ، وبالتالى فإننا فى غنى عن مزيد كتابة فى هذه الموضوعات خصوصاً إذا كانت تكراراً لغيرها وليس بها جديداً .
ثالثاً : الحيلة التى يلجأ إليها بعض الكتاب عندما يتحدثون في موضوعات متكررة, أن يتحدثوا فيها ولكن بأسلوب مختلف, وغالباً ما يكون اختلافه شكلياً لجذب القارئ , ولمحاولة دفعه للصبر على قراءة كلام سمعناه قبل ذلك كثيراً .. انظر ماذا يقول الكاتب للتعبير عن أنه لا وجود لحياة بدون خلافات ..
الخلافات لابد أن تحدث , لسبب بسيط .. أنها لا بد أن تحدث!
المعنى ليس جديداً أو مبتكراً .. ولكن قد يكون الأسلوب طريفاً .. ولكن عند استخدامه لتقرير معانى معروفة , فلا يغنى عنا شيئاً ، ولا يضيف لنا جديداً .
وفى أحيان أخرى لا يكون هناك أى جديد فى الشكل والمضمون معاً ؛ مثل الإتيان بمقولات معروفة مثل : مقولة أينشتاين : لا يمكن حل مشكلة بنفس الطريقة التى أوجدتها ، أو الإتيان بقصص معروفة مثل قصة العميان والفيل .
وقد يلجأ الكاتب فى بعض الأحيان إلى الإعلاء المبالغ فيه من أهمية أمر معين وكأن حياتنا كلها تتوقف على هذا الأمر بالغ الخطورة ؛ فمثلاً الاستماع الفعال للناس , وما قد ينتج عن هذا من محبتهم لك عندما تستمع إليهم , وأن يفضفضوا لك عما في نفوسهم .. أمور صارت معروفة , ويبدو أن الكاتب يعرف أنها صارت معروفة , فماذا يفعل ليشعر أنه أتى بجديد , يدندن كثيراً حول المفهوم , وكأن كل مشاكلنا سوف تحلّ عندما نستمع بعضنا لبعض .. والواقع أنه قد يستمع بعضنا لبعض , ويفعل كل شخص ما يحلو له وتظل المشاكل كما هى !! أليس كذلك ؟
رابعاً : من الأمور التى تستفزنى عندما لا يجد الكاتب شيئاً جديداً ليطرحه على القارىء أنه يكثر من الحوار مع القارئ .. لا أقصد الحوار غير المباشر لتأكيد فكرة معينة (الحوار غير المباشر هو أن يطرح الكاتب اعتراضات يظن أنها تجول في عقول معارضيه ثم يرد عليها ) ، بل الحوار السطحى مثل :
اترك الكتاب الآن ..
أراك تبتسم الآن ..
أعد الكتاب للبائع ..
لا أظنك من هؤلاء ..
ألم أقل لك أنك ستفعل هذا ..!!
خامساً : هناك بعض الأمور الخاطئة التى لا أوافق الكاتب عليها مثل :
مشاعرك لك قدرة على السيطرة عليها ..
قرر أن تحب فلاناً وستحبه ..
فكر في الصفات الإيجابية لشخص تكرهه , وسيتغير رأيك فيه ..
كل ما سبق خاطئ .. العملية تبادلية , قد يكون شخصاً ما بالفعل سيئ وشرير ووغد وحقير, وهذا رأى قطاع كبير ممن تعامل معه .. ثم إن تغير المشاعر لا يحدث بمثل تقنيات التيك أواى هذه .. بل القاعدة الأصيلة أن التغيرات الكبرى لا تحدث إلا بإجراءات كبرى .. فالسيارة الملاكى تحمل عدداً معيناً من الناس, والميكروباص تحمل عدداً أكبر, والأتوبيس يحمل عدداً أكبر وأكبر .. ولا يمكن أن نحمل 17 راكباً في سيارة ملاكى .
والإجراءات الكبرى في مثال المشاعر السابق : تجنب الشخص بقدر المستطاع على سبيل المثال .
سادساً : وسط هذا الركام الهائل من الأمور الخاطئة أو المكررة التى عرضناها ، فلن نعدم بعض المقولات المفيدة مثل :
السعادة لا تعنى أنك تعيش حياة كاملة .. بل تعنى أنك قررت غض البصر عن النواقص .
حديث الكاتب عن الأفلام والقصص أنها أخطأ مصادر البرمجة فيما يتعلق بالعلاقات الرومانسية .
أننا نحكم على الآخرين بسلوكهم ، ونحكم على أنفسنا من نوايانا !!
وفى الختام فإن مؤلف الكتاب له منى كل التقدير والاحترام ، ولكن أنا أدعو الكتاب لعدم التطرق لأمور سبقهم غيرهم بالحديث عنها ، فإن وقت القارىء ثمين ، ويجب أن يحرص الكتاب على عدم إنفاقه إلا فيما يفيد ، كذلك فإنى أدعو كل قارىء لـ ( اعرف لمن تقرأ وحدد ما إذا كنت تنتفع بكتابه بشكل كبير فتقرر استكمال قراءة بقية كتبه أو تقرر الاكتفاء بكتاب واحد من كتبه )