نحن فى عصارات الكتب نحاول أن نلخص الكتاب .. نعتصره .. نذكر النقاط التى يحويها .. ولكننا فى سياحتنا بين صفحات الكتاب نناقش الكاتب .. نحاوره .. نتفق معه .. ونعترض عليه .. ندلى بدلونا فى الكتاب .. نقيم الكتاب والكاتب .. أقدم خواطرى حول الكتاب وحول موضوعه ومدى إجادة الكاتب فى تناوله .. إننا ببساطة نتجول فى صفحات الكتاب ، ونلقى نظرة عامة عليه ..
الكتاب : رحلتى من الشك إلى الإيمان للدكتور / مصطفى محمود
أكبر سببين لانتشار الإلحاد ..
من خلال القصة التى حكاها لنا الدكتور مصطفى محمود عن بدايات الشك فى حياته ، وأنه كان يسأل ( تقولون أن الله خلق الدنيا ، فمن خلق الله ؟ ) .. من هذه القصة نتعرف على أكبر سببين لانتشار الإلحاد ، وأنهما :
-
قسوة ردود الفعل على الأسئلة التى من هذا النوع ، فقد تباينت ردود الفعل على سؤال الدكتور ، ولم يكلف أحد من الحاضرين نفسه لمناقشة الدكتور فيما يقول .. مهما كان السؤال صادماً ، فلابد أن نتناوله بالمناقشة والحوار بدلاً من القسوة والصدام .
-
السبب الثانى أن الدكتور مصطفى محمود نفسه اعترف بعد تحوله للاتجاه الإيمانى أن زهوه بعقله وإعجابه بذكائه كانا من الدوافع الخفية لطرح مثل هذه الأسئلة ..
والخلاصة أنه لو رغب الإنسان حقاً فى معرفة الصواب دون استكبار أو غرور ، ولم يبخل عليه أحد بالتجاوب مع ما يطرحه من أسئلة ، لربما قلّ عدد الملحدين الذين لا وجود لهم إلا فى ظل مشاكل نفسية أو مجتمعية .
من خلق الله ؟!
عرفنا من خلال كتابنا الجميل أنه لا يصح أن نسأل هذا السؤال : من خلق الله ؟ لأنه كما قال د. مصطفى محمود حاكياً عن نفسه أنه عندما سأل هذه السؤال فى صغره : قد غابت عنه أصول المنطق ولم يدرك – حينذاك – أنه يتناقض مع نفسه ، فيعترف بالخالق ، ثم يقول : ومن خلق الخالق .. فيجعل منه مخلوقاً بعد أن اعتبره خالقاً ، ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضى أن يكون هذا السبب واجب الوجود فى ذاته ، وليس معتمداً ولا محتاجاً لغيره لكى يُوجد .
أما أن يكون السبب فى حاجة إلى سبب ، فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية ولا يجعل منه سبباً أول .
كلام جميل ، ولكن لا يزال السؤال يتردد على ذهنك ، أليس كذلك ؟!
هل تدرى السبب فى ورود السؤال على ذهنك من حين لآخر ؟
السبب فى ذلك أنك لأجل رؤيتك كل شىء حولك مخلوقاً ، فأنت لا تستطيع أن تتصور شيئاً ليس مخلوقاً ، فيعمم عقلك ما تراه فى كل ذرة فى هذا العالم ويحاول أن يجعل القاعدة تسرى حتى على الله ، وكأنك تفترض أن الله جزء من هذا العالم يخضع لقوانينه وقواعده ، ونسيت أنه سبحانه وتعالى متعال على العالم خالق له مهيمن عليه وهو من وضع أصوله وسننه وقواعده .
عندما يتأمّل الإنسان حوله ، فسيجد أن شيئاً قد نتج عن شىء .. وأن شيئاً قد أنتج شيئاً .. وهو ما يعبرون عنه بـ : المادة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم .. فالمادة لابد أن تصير إلى شىء ، بعد أن تكون قد صارت هى من شىء ، ونحن نرى ذلك فى كل شىء حولنا وكل يوم .. ولكن ، فالعقل يقتضى فى النهاية أن نؤمن أن هناك إلهاً قد خلق كل شىء وليس متولدّاً عن شىء .. والعقل إذ يؤمن بهذا .. فهو – وفى ذات الوقت – قد لا يستطيع أن يدركه ويتصوره .. وفرق كبير واضح بين أن يحكم العقل بالتناقض بين شيئين واستحالة الجمع بينهما ، وأن يحكم العقل بأنه عاجز عن الإدراك والتصور .. إذ أن العقل الذى يبنى أحكامه على السمع المحدود والبصر المحدود والشمّ المحدود واللمس المحدود والخبرات المحدودة والمعارف القاصرة .. محدود أيضاً تبعاً لذلك .. فما بُنى على محدود محدودٌ ، وبالتالى فقانون المادة لا تفنى ولا تُستحدث من العدم صحيح وفق قدرات البشر وليس عند الله الذى لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء ( ولست أقصد فحسب أن الله قادر على إفناء الأشياء واستحداثها من العدم ، بل أقول أن الله لا يخضع لهذه القوانين ، كيف وهو من أنشأها ؟! )
والخلاصة أن مجرد إدراك أن هذا الكون لابد له من خالق يكفى لكى نؤمن بهذا الخالق ، وليس شرطاً للإيمان أن نحيط علماً بالله أو أن ندرك ما هو فوق قدرات العقل ؛ كأن ندرك كيف بدأ الخلق فهى لحظة لم نشهدها (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ) ، أو أن ندرك كيف سينتهى لأنه لن ينتهى إلا بزوال هذا العالم وزوال قوانينه بالتالى وقيام الساعة ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) .
قال تعالى : (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) فمهما فعلت لن تدرك كيف أن الله خالقاً لم يخلقه أحد ، ولا يزال هذا السؤال يتردد على ذهنك من حين لآخر ، والواجب عليك – حينئذ – أن لا تناقش الأمر عقلياً ، لأنه ليس من اختصاصات العقل ، بل عليك باتباع ما نصحك به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :
يأتى الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ، من خلق كذا ، حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته .
فهو صلوات الله عليه نهاك عن تناول تلك المسألة عقلياً وبدلاً من ذلك ، تناولها قلبياً بأن تقول : آمنت بالله .
موقف الناس من الفتن ..
يقول د. مصطفى محمود عندما كان يسأل وهو صغير مراهق ( من خلق الله ؟ ) : كنت أقول هذا فتصفرّ من حولى الوجوه وتنطلق الألسن تمطرنى باللعنات وتتسابق إلىّ اللكمات عن يمين وشمال .. ويستغفر لى أصحاب القلوب التقيّة ويطلبون لى الهدى .. ويتبرأ منى المتزمّتون ويجتمع حولى المتمرّدون .. فنغرق معاً فى جدل لا ينتهى إلا ليبدأ ولا يبدأ إلا ليسترسل . انتهى
د. مصطفى محمود بدون أن يقصد أشار إلى موقف الناس من الفتن .. فمنهم منْ يخوض فيها ( المتمرّدون ) .. ومنهم منْ تثير عنده اللغط والفوضى والثرثرة ( العوام ) ، ومنهم من يستعيذ بالله منها يطلب السلامة له ولغيره ( أصحاب القلوب التقيّة ) ، ومنهم من يسارع بإلقاء التهم وإصدار الأحكام بالتكفير وتضليل الناس دون أدنى محاولة للتفسير والفهم ( المتزمّتون ) .
أسلوب الدكتور مصطفى محمود ..
أسلوب الدكتور مصطفى محمود كما رصدناه فى هذا الكتاب – وفى سائر كتبه – شيق رصين يجمع بين حلاوة الأدب ، وانضباط العلم ، فلا هو بالأسلوب الأدبى الخيالى البحت ، ولا هو بالأسلوب العلمى الجاف ، ولكنه يجمع بين الاثنين فى وحدة متكاملة ليس من السهل أن تجدها فى غير كتب مصطفى محمود .
الطفل البرىء مصطفى محمود !!
تعرفت من خلال قراءتى لهذا الكتاب على صفة فى شخصية الدكتور مصطفى محمود ؛ وهى براءة الطفولة ، وهذه الصفة تجعل الدكتور يطرح ما يعتقده مثل الطفل الذى لا يعرف سقفاً ولا قيوداً ، وكثير من أفكار الدكتور رحمه الله تبدو صادمة ليس لأن الدكتور يريد أن يلفت النظر إليه ، ولكنه يبدو طفلاً يطرح ما يفكر فيه بصوته العالى ( اللى فى قلبه على لسانه !! ) .. فالدكتور أثار الجدل عندما كان معتنقاً للفكر المادى ، وأثار الجدل بعدما تحول لاعتناق الفكر المؤمن ( مثل إثارته لقضية الشفاعة ، وحديثه عن صحيح البخارى وكتب الأحاديث عموماً ) وربما لا تقرأ كتاباً للدكتور رحمه الله ، إلا وتلمح بين السطور فكرة جريئة يطرحها ، ومن هذه الأفكار الجريئة الواردة فى هذا الكتاب :
-
افتراضه أن بوذا وإخناتون من الأنبياء وأن ما وصل من تعاليمهما قد يكون قد خضع للتحريف ، ويعتمد فى ذلك الرأى على قول الله تعالى : (وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)
-
حديثه عن غاندى وأنه مثال للوعى الدينى المتفتح ؛ لأنه كان يقرأ فى صلاته فقرات من التوراة والإنجيل والقرآن وكتاب ( الدامابادا ) لبوذا .. وما يفعله غاندى لا يوصف إلا بأنه ( لخبطة ) لا تحسب على إسلام ولا مسيحية ولا يهودية ولا بوذية ولا على الوعى الدينى المتفتح .. رغم أن الدكتور قبل هذه الفقرة مباشرة يذكر أن الله أمرنا بالإسلام ديناً لأنه الدين الوحيد الذى يؤمن بكل الرسل وبكل الكتب ويختمها حكمة وتشريعاً .. فليس فى كلام الدكتور تناقض ، ولكنها براءة الطفولة التى حدثتك عنها .. فهكذا هم الأطفال يبدون سطحيين أو متناقضين أو بريئين إن شئت الدقة !!
-
ذكره ( نقلاً عن الكاتب البولندى الذى أسلم محمد أسد ) أن المسيخ الدجال ظهر بالفعل وهو متمثل فى هذا العلم التقنى الذى اتخذه الناس صنماً يعبدونه من دون الله ..
والواجب علينا تجاه أفكار الدكتور مصطفى محمود من هذا النوع أن لا نعطيها أكبر من حجمها وألا نسىء الظن بصاحبها ، وليكن تعاملنا معها إما بغض النظر عنها أصلاً لأنه لا طائل من بحثها ( كما فى الفكرة الأولى ، فهى أمور العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر ) ، وإما بغض النظر عنها لخطئها البين ( كما فى الفكرة الثانية ) ، وإما بغض النظر عن الفكرة فقط دون حيثياتها التى قد تفيدنا ( كما فى الفكرة الثالثة ) .. وأكاد أزعم أنه ليس من مدخل لتفسير بعض الأفكار الجريئة العجيبة للدكتور مصطفى محمود سوى النظر إليه كما ننظر لطفل يأتى بالأعاجيب ولا نملك إلا التبسم !!
أهم ما ذكره الدكتور رحمه الله فى كتابه ..
إن أفضل ما ذكره الدكتور رحمه الله فى وصف رحلته من الشك إلى الإيمان :
لم يكن الأمر سهلاً .. لأنى لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذاً سهلاً . ولو أنى أصغيتُ إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودنى لأعفيتُ نفسى من عناء الجدل .. ولقادتنى الفطرة إلى الله . وذرة من الإخلاص أفضل من قناطير من الكتب .
ومنْ فقد سلامة الفطرة وبكارة القلب ، ولم يبق له إلا الجدل وتلافيف المنطق وعلوم الكلام .. فقد فقد كل شىء وسوف يطول به المطاف .. ولن يصل أبداً .
وكلام الدكتور هذا يذكرنا بقول الله سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ “ فالطاعة ( والطاعة حتى بالنسبة لغير المؤمن إذ من هذا الذى يمكن أن يعترض على فعل الخير الذى يستحسنه العقل حتى ولو لم يكن صاحبه مؤمناً ) تؤدى إلى صفاء البصيرة ممّا يؤدى إلى أحكام سليمة ونظرة ثاقبة وسعادة بإذن الله فى الدنيا والآخرة .
إننى أدعوك بشدة إلى معاودة قراءة هذا التلخيص من حين لآخر لتجدد اليقين فى قلبك ، وبإمكانك الآن أن تحمل نسختك من تلخيص الكتاب من خلال هذا الرابط :
ولو أردت سماع تلخيص مرئى للكتاب بصوت محمد عطيتو فمن خلال هذا الرابط ستستمع إلى الجزء الأول ، ويمكنك أن تكمل سماع بقية الأجزاء تباعاً :