صيد الخاطر | خواطر محمد عطيتو | المقدمة
إن العقل من أعظم نعم الله على الإنسان ، إنه ما يميز الإنسان عن الحيوان ، وهو مناط التكليف ؛ فلا تكليف على من فقد عقله ، وهو مكمن السعادة ..
نعم ، السعادة فكرة فى عقلك ، ألم تنظر إلى من توفرت لديه كثيراً من أسباب السعادة ، ومع ذلك تجده تعيساً بسبب أن ثمة أفكار تلحظها جاثمة على عقله رابضة فى وجدانه !!
إن الحياة بدون العقل لا قيمة لها ، لا معنى لها .. حياة لا تطاق !!
إن العقل هو ما يساعدك فى إدراك ما بين يديك ، هو ما يترجم ما تتلقاه حواس السمع والبصر والشم واللمس ، إن الحيوانات ترى وتنظر وتسمع وتشم ، وربما بأكثر مما يستطيع الإنسان ولكن نظراً لغياب العقل ، فما أبعد المسافة بينها وبين الإنسان !!
إن العقل هو ما يساعدك فى تصور ما لم يحدث بعد ، ويساعدك فى ترتيب العدة لكيفية التعامل معه ..
إنى لو استرسلت فى الحديث عن هذه النعمة العظيمة لما توقفت ، كيف وهى ما جعلت الإنسان إنساناً ؟!
أترى بدون العقل كان يمكن للإنسان أن يصير إنساناً مكرماً على كثير مما خلق الله ؟!
أترى بدون العقل كان يمكن للعمارات أن تصمم ، وللمقالات أن تؤلف ، وللحضارات أن تشيد ؟!
أترى بدون العقل كان يمكن لـ مصطفى صادق الرافعى – وهو الأصم – أن يصير إلى ما صار إليه ؟
أترى بدون العقل كان يمكن لـ طه حسين – وهو الأعمى – أن يصير إلى ما صار إليه ؟
أترى بدون العقل كان يمكن للأمريكية هيلين كيلر – وهى العمياء البكماء الصماء – أن تصير إلى ما صارت إليه ؟
لقد صدق حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما عندما قال ( وذلك لما ابتلاه الله بالعمى ) :
إن يأخذ الله من عينى نورهما ففى لسانى وسمعى منهما نور
قلبى ذكى وعقلى غير ذى دخل وفى فمى صارم كالسيف مأثور
أرأيت كيف استرسلت فى الحديث عن العقل ؛ رغماً عنى !!
ألم أقل لك أنه من أعظم نعم الله على الإنسان ، وحق لنا أن نسترسل فى الحديث عنه !!
وحيث أن العقل على هذه الدرجة الكبيرة من الأهمية ، يصبح إغفال هذه النعمة العظيمة من أكبر الجرائم التى يمكن أن يرتكبها إنسان .
أى درك سحيق ، وقاع عميق ينحدر إليه الإنسان عندما يعطل استخدام هذه النعمة العظيمة ؟
صدق الله إذ يقول :
( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا )
وبالتالى ، فإن شكر هذه النعمة العظيمة يكون باستغلالها الاستغلال الأمثل وتوظيفها فيما أوجدت من أجله ، وهو التفكير ..
قال تعالى :
( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ )
تفكر فى كل شىء ؛ فى خلق السماوات والأرض ، فى نفسك التى بين جنبيك ..
( وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )
فى من سبقك من الأمم ..
( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )
فى القرآن العظيم ..
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )
والقرآن يدعو فى كثير من آياته إلى استخدام هذه النعمة العظيمة ..
والعجيب كل العجب أنك عندما تتفكر فإنك تتعلم !!
أكرر : عندما تتفكر فإنك تتعلم ، فإن التعلم لا يكون فقط بالتلقين أو المشافهة أو التلقى ؛ بل إنك لو جلست بمفردك وأغلقت عليك بابك وأغمضت عينيك وسرحت بتفكيرك فسترد على عقلك من الخواطر ما قد تكون قد سبقت إليه بلا تلقين من أحد !!
انظر إلى هذه المعجزة الإلهية الكبرى !!
إن هذه المعجزة الكبرى والنعمة العظمى هى ما دعت إمامنا ابن الجوزى إلى تصنيف كتابه ( صيد الخاطر ) ..
استمع إليه وهو يقول :
لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها، ثم تعرض عنها فتذهب، كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكيلا ينسى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: قيدوا العلم بالكتابة.
وكم قد خطر لي شيء، فأتشاغل عن إثباته فيذهب، فأتأسف عليه.
ورأيت من نفسي أنني كلما فتحت بصر التفكر، سنح له من عجائب الغيب، ما لم يكن في حساب، فأنثال عليه من كثيب التفهيم ما لا يجوز التفريط فيه، فجعلت هذا الكتاب قيداً – لصيد الخاطر – والله ولي النفع، إنه قريب مجيب.
وها أنذا أتبع أمر ربى لى بالتفكير ، وأقتدى بسلف أمتنا الصالح وبإمامنا ابن الجوزى وأحاول ألا أفوت هذه الخواطر العظيمة والكنوز الثمينة التى ترد على عقلى ، فأضعها بين أيديكم لعلكم تنتفعون بها .
سنتناول إن شاء الله خواطر فى شتى مجالات الحياة .. فى الدين والسياسة والاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع والتكنولوجيا وكل شىء ..
والقاسم المشترك بين الخواطر التى سأطرحها بين أيديكم إن شاء الله فى موقع تعانشب كتاب ، وفى قناتنا على اليوتيوب :
استبطان النظرة الإسلامية فى طرح أى خاطرة ، ومحاولة استخراج واجبات عملية لكيلا يكون كلامنا مجرد كلام وينتهى الأمر ، بل لابد من إتباع العلم بالعمل ..
وأدعوكم كذلك إلى السير على هذا النهج والاحتفاظ بالخواطر التى ترد على أذهانكم فى صورة مكتوبة أو صوتية ( بعد تسجيلها ) وياحبذا لو تطرحونها لغيركم فى مواقع التواصل الاجتماعى .
إن مصادر الخواطر لا تحصى ؛ فإنك فد تستقى العبرة من كلمة تسمعها ، أو صورة تنظر إليها ، أو موقف تشهده ، أو جلسة تأمل مع نفسك قد تخرج منها بخواطر كثيرة وعبر عظيمة .
فتأمل وتفكر وانظر وسجل وأفد غيرك وأتبع العلم بالعمل .. وفقنى الله وإياكم ..
استمع إلى هذا الفيديو الآن :