نحن فى عصارات الكتب نحاول أن نلخص الكتاب .. نعتصره .. نذكر النقاط التى يحويها .. ولكننا فى سياحتنا بين صفحات الكتاب نناقش الكاتب .. نحاوره .. نتفق معه .. ونعترض عليه .. ندلى بدلونا فى الكتاب .. نقيم الكتاب والكاتب .. أقدم خواطرى حول الكتاب وحول موضوعه ومدى إجادة الكاتب فى تناوله .. إننا ببساطة نتجول فى صفحات الكتاب ، ونلقى نظرة عامة عليه ..

 

الكتاب : عبقرية عمر للعقاد

أعتقد أن السر فى عدم وجود الفتن فى عهد الفاروق يرجع إلى سمة عظيمة جداً كان عمر رضى الله عنه يتميز بها ؛ وهى – بعد توفيق الله تعالى وإلهامه – الدقة البالغة والتنظيم المدهش الذى وصل إلى افتراض الاحتمالات المختلفة التى تحول دون تحقيق هدف معين ، وهذا الأمر يدل على عبقرية التخطيط عند الفاروق ، فإن الإنسان إذا وضع نصب عينيه هدفاً معيناً ، فإنه يحدد الوسائل اللازمة لتحقيقه ، ولكن ينبغى عليه أن يفترض أن الوسائل الموضوعة لتحقيق هدفه قد تعجز ، وعندها لابد أن يطرح وسائل بديلة ، وهذا ما برع فيه عمر رضى الله عنه ، وها هى بعض الشواهد على ذلك :

أولاً : وضعه وسائل عديدة لمراقبة العمال والولاة ، لسد كل ثغرة ممكنة ، ولإحكام الرقابة على الولاة كما رأينا .

ثانياً : رفضه أن يصلى – لما حان وقت الصلاة – فى صحن كنيسة القيامة مخافة أن يأتى المسلمون بعد ذلك ويستحوذون عليها بحجة أن أمير المؤمنين صلّى فيها .

ثالثاً : فى الدين الذى كان على عمر رضى الله عنه ، قال لابنه عند طعنه : إن وفى به مال آل عمر فأده من أموالهم ، وإلا فاسأل فيه بنى عدى ، فإن لم تف أموالهم فاسأل فيه قريشاً ولا تعدهم إلى غيرهم .

رابعاً : تعيينه لستّ نفر تدور الشورى بينهم لاختيار الخليفة بعده ، ووصيته أنه إن خرج رجل على الجمع يقتل ، وإن خرج رجلان يقتلان ، وإن استوى ثلاثة أمام ثلاثة يحكم عبد الله بن عمر ، فإن لم يرضوا بحكمه يتم اختيار الفريق الذى فيه عبد الرحمن بن عوف .

خامساً : وصيته لابنه عبد الله أن يستوثق من أم المؤمنين بسؤالها مرة ثانية بعد وفاته خشية أن تكون موافقتها حياءً منه ، وذلك فى مسألة استئذانها فى دفنه بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق رضى الله عنه .

من هذه الشواهد القليلة يتبين لنا حرص الفاروق الشديد ، ودقته البالغة ، فى تحقيق ما يصبو إليه وإصراره على تحقيقه ، ولعل هذه الدقة الشديدة التى تدل على إصرار بالغ وقوة عظيمة فى افتراض شتى الاحتمالات هى السر وراء شكوى عمر من جلد الفاجر وعجز الثقة ، ولعل عجز الثقة عنده ألا يكون مثل ما كان هو .. وهكذا العباقرة يقيسون الناس على أنفسهم غافلين عن أن ليس كل الناس مثلهم .

فالقوة المطلوبة التى يشكو عمر أنها لم تتوافر فى الثقة أحياناً هى : اللاتردد ، والقدرة البالغة على التنفيذ وتقرير الحق ، وعدم الميل مع الهوى ، وهذه الصفات الثلاث ليس بالضرورة أن تجتمع معاً ، كما يشكو عمر أن الفاجر قد توجد فيه هذه الصفات .

وهذا الأمر العظيم الذى كان يميز الفاروق هو ما لم يفعله عثمان رضى الله عنه ؛ إذ كان موقفه من الفتنة أن اكتفى بألا يراق بسببه دم ، ولم ينظر إلى كم الاختلافات الحتمية التى ستنشب بسبب مقتله ؛ فهو قد سلم بأن يقتل وصبر على ذلك ، ولكنه لم يضع استراتيجية للمسلمين يسيرون عليها ، لتمكينهم من التغلب على أمر مقتله وهو من الأحداث الهائلة فى حياة المسلمين وآثاره لا زالت موجودة حتى الآن .

فى حين أن عمر رضى الله عنه وضع خطة لاختيار الخليفة من بعده ، رغم أن الخلافات التى ربما كانت ستنشب – لو لم يضعها – أقل بكثير من الخلافات بعد مقتل عثمان رضى الله عنه .

 

لو أردت أن تستمتع بالاستماع إلى عرض لهذه الخاطرة بصوت محمد عطيتو ، فمن خلال هذا الرابط :

 

Load More Related Articles
Load More By محمد عطيتو
  • مضاعف ثواب الأعمال الأكبر

    قرأت كتاب ( كيف تطيل عمرك الإنتاجى ؟ ) الذى سرد فيه مؤلفه الشيخ / محمد بن إبراهيم النعيم ر…
  • لا استقرار إلا فى الجنة !!

    نحن فى عصارات الكتب نحاول أن نلخص الكتاب .. نعتصره .. نذكر النقاط التى يحويها .. ولكننا فى…
  • التردد .. المرض الخبيث !!

    نحن فى عصارات الكتب نحاول أن نلخص الكتاب .. نعتصره .. نذكر النقاط التى يحويها .. ولكننا فى…
Load More In سياحة بين صفحات الكتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إقرأ أيضا

النقود والبنوك

  كيف نشأت النقود الورقية تاريخياً ؟ ورقة نقدية بمليون جنيه .. هل رأيتها من قبل ؟! أك…