جمعتنى جلسة مع من أعتبره صديقاً وأخاً كبيراً ، وكان مما خرجت به من هذه الجلسة عبارة جميلة له وهى :

النجاح هو السعى بالمتاح للإصلاح ..

ولو تأملنا فى هذه العبارة الموجزة لوجدناها تتضمن الكثير والكثير من المعانى ، فهى كما يقولون : عبارة قليلة المبنى ولكن كثيرة المعنى .. تعالوا نتأمل فى هذه العبارة سوياً ..

 

السعى : فالنجاح لا يعنى تحقيق الهدف ولا إدراك الغاية .. كل ما عليك هو السعى وعمل ما عليك واترك الباقى على الله ، لأنه سبحانه من بيده الأمر كله ومن بيده النتائج .. وهنا نسأل الله ألا يجعلنا ممن قال فيهم :

( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )

لك أن تتخيل أنك تبذل المجهودات العظيمة ثم تكتشف فى النهاية أن كل هذا ذهب هباءً منثوراً ، لأنك لم تكن تنوى وجه الله تعالى ، ثم إن كلمة السعى تحمل معنى أننا سنقضى أعمارنا كلها فى السعى .. ما دمنا أحياء لن نصل لخط النهاية فى الدنيا الذى نقول عنده : آن لنا أن نستريح وأن نستمتع  .. الدنيا دار عمل وسعى وبالتالى لا يتوقف فيها السعى .. كلما حققت هدفاً واصل السعى نحو هدف آخر ..

 

بالمتاح : فلا تنتظر حتى يتوفر لك كذا وكذا .. وتقول : سأبدأ فى الموضوع الفلانى بداية من السبت القادم أو الشهر القادم أو بداية 2022  .. أنت حرفياً تضيع وقتك .. ابدأ بالمتاح وسيرى الله سعيك وسيمدك بالأدوات التى تنتظرها .. لكن لا تعلق عملك عليها ، بل ابدأ بالمتاح .. ابدأ بما تمتلكه الآن .. وشيئاً فشيئاً سيحدث التقدم والتطور .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا لأن نتقى النار ولو بشق تمرة .. ولم يقل : بتمرة .. فإن استطعت أن تتصدق بنصف تمرة فافعل ولا تتقاعس وتقول : أنتظر حتى أكون كعثمان بن عفان حتى أتصدق بالأموال الكثيرة !!

 

لـ : فالغاية كما يقول ستيفن كوفى فى عادته الثانية من العادات السبع لابد أن تكون واضحة فى ذهنك .. لابد أن تكون على علم بنهاية الطريق .. ولابد أن تكون قد أجبت على سؤال : لماذا أسير فى هذا الطريق بالذات .. ويكفيك هنا التوجه والنية لكن ليس بالضرورة أن تدرك نهاية الطريق فهذا بيد الله كما قلنا .. إن حرف الجر ( لـ ) يعنى أنك تسعى من أجل شىء وليس تسعى من أجل السعى وحسب .. لابد أن تحدد الغاية من السعى .. وأنا كثيراً ما أقول : إن القراءة لا ينبغى أن تكون غاية فى حد ذاتها بل ينبغى أن نبنى من خلالها معرفة فى شىء يهمنا وينفعنا ..

 

الإصلاح : فأنت تسعى لا من أجل المال ولا من أجل الشهرة ولا من أجل أن تحوز رضا الناس بل من أجل الإصلاح كما قال سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا محمد الصلاة السلام فى سورة هود :

( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )

قد يأتى المال والشهرة ورضا الناس وأنا أسير فى الطريق ، ولكن هذه الغايات ليست هى الغايات الأولية .. والإصلاح كلمة عامة شاملة ، وبالتالى فنحن نشفق على من يعتقد أن الدنيا أظلمت لو لم يتمكن من دخول كلية الطب مثلاً .. لو لم يتمكن من النجاح فى امتحانات النيابة لو كان خريج كلية حقوق مثلاً .. لو لم يتمكن من الزواج بفتاة معينة .. لو لم تتمكن من الزواج بشاب معين .. أنت هدفك الإصلاح وهو ميدان رحب فسيح واسع وهو بإمكانك وفى متناولك أينما كنت وحيثما توجهت

 

إن هذا التعريف للنجاح يقف على الضفة الأخرى من التعريف الشائع للنجاح ؛ وهو أن تقوم بعمل جبار .. أن تقوم بشىء واااووو .. ينبهر به الناس ويصفقون له .. أن تكون كمحمد صلاح .. أن تكون كنجيب ساويرس .. أن تكون كأحمد زويل .. أن تكون حتى كيوسف سوستة الذى انتشرت أغنيته ( شيمااء .. شيمااء ) كالنار فى الهشيم فى أيام معدودة … هؤلاء هم من رصدتهم الأضواء وعرفهم الناس وسجلهم التاريخ فى صفحاته ، ولكن كم من الناجحين لا يعرفهم أحد ولكن يعرفهم رب الناس ، وسيجزيهم خير الجزاء فى يوم قال تعالى عنه :

( يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )

Load More Related Articles
Load More By محمد عطيتو
Load More In صيد الخاطر | خواطر محمد عطيتو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إقرأ أيضا

النقود والبنوك

  كيف نشأت النقود الورقية تاريخياً ؟ ورقة نقدية بمليون جنيه .. هل رأيتها من قبل ؟! أك…